جديد الصور
جديد البطاقات
جديد الجوال
جديد الفيديو
المتواجدون الآن
تغذيات RSS
|
سمو ولي العهد
09-12-12 09:53
انه لسرور كبير أن نراكم هنا جميعاً، وأود أن أعرب عن خالص شكري لوقتكم وطاقتكم وجهدكم للتواجد هنا في ظروف تتطلب منا التفكر والتأمل ملياً والوعي لدى التعامل مع الشؤون الواردة في المشهد.
وأود أن أشكرك سيدي، والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية للعمل الرائع الذي قمتم به حول العالم، وما قمتم به من مجهود متميز في اجتماعات الشيربا في العام الماضي، وخاصة لاستئناف إقامة حوار المنامة في هذا الوقت الحساس.
أعتقد أنني سأبدأ بتناول بعض التحديات الإقليمية والمواضيع الهامة التي تعنى بها الكثير من الحكومات حول العالم: وقد يكون منع الانتشار النووي من أولى الشؤون التي ترد في أذهانكم؛ وبروز المتطرفين مقترناً باحتمال -لا قدر الله- استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية من قبل دول معرضة للانهيار في الوقت الحاضر، وإمكانية الإرهاب الناتج عن هذه الخطوة المريعة، ما يستدعي اهتماماً جاداً؛ وثالثاً: أمن النفط، وهو شأن قلما يتطرق الحديث اليه ولكنه مازال محورياً لتعافي العديد من الاقتصادات حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة، ولعلها إلى حد أكبر في أوروبا؛ رابعاً: تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون كهدف راسخ للعديد من الحكومات، وخاصة في الغرب، ولا أرى ذلك قابلاً للتغيير في المدى القريب؛ وبالنسبة للولايات المتحدة نخص بالذكر إدارتها لعلاقتها مع دولة اسرائيل وعملية السلام المتعثرة، مما يهمنا جميعاً.
كانت تلك خمس مواضع اهتمام أمنية ذات وزن ثقيل، أنا متأكد أن العديد منكم يدركها. وهنا ألفت انتباه الحضور إلى حقيقة أن جميعها كانت حاضرة قبل ما يسمى بالربيع العربي، فهي ليست جديدة ولكن التعامل معها خلال هذه المرحلة المضطربة صار أكثر صعوبة مع تزايد حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
لنأخذ التالي في عين الاعتبار: لم يسبق أبداً أن يكون هناك صعود للحقوق الديمقراطية متزامناً مع تهديد الحريات مثل ما هو الحال الآن. إن مردودات مثل هذا التغيير الهائل الذي نراه عبر المنطقة هو أمر لا يمكن التحديد بعد فيما إذا كان حميداً، أو إذا جاز القول، خبيثاً، لذا يجب أن نبقى مراقبين بوعي إلى أين نحن متجهون.
اختلفت ردة فعل المجتمع الدولي، فبعض الحكومات الغربية قوبلت بالنقد لفعلها أكثر مما ينبغي ولكن أًنتقدت أيضاً في نفس الوقت لفعلها أقل من اللازم، الشيء الذي يؤكد أهمية تركيز جهودنا وجهود تلك الحكومات لتكون أكثر فعالية بما يتماشى مع السياسة العامة الدولية.
في حين كانت حكومات الشرق تسعى بطرق جديدة للتعامل مع منطقتنا، منطقتنا العربية، منطقتنا الإسلامية، كان لهذه الحكومات التأثير المتزايد للاستفادة من الوضع العالمي المتغير. وهذه حقيقة يجب أن توضع في عين الاعتبار.
ويضاف إلى ذلك قوة المعلومات في عصر المعلومات، سواء عبر القنوات الفضائية العديدة، التي من وجهة نظري كانت المغير الحقيقي للمعادلة في المشهد المعلوماتي، أو الظاهرة الحديثة للشبكات الاجتماعية، ولدينا التحدي المضاف في المدى والسرعة التي تظهر الأحداث بها وهو مضاعفٌ بعاملٍ لم يتنبأ به التاريخ البشري.
انها مهام صعبة، وأنا واثق بأن هذه المواضيع سيتم مناقشتها خلال فعاليات نهاية الأسبوع هذه كما هو مطلوب. يجب أن نعي، سيداتي سادتي، اننا نتعامل مع شرق أوسط جديد وأن لا نخطئ في ذلك. وسيكون من الحمق والتضليل رفض هذا الواقع الجديد. إن الفرضية التي أعتمدها هي أن الأدوات المجربة والحقيقية في فن قيادة الدول ستتيح لنا أن نخرج من هذا الوقت الحرج بأقل ضرر ممكن في الجانب الانساني، ودعوني أشرح ذلك من تجربة شخصية.
كما تعرفون، كانت لدينا تجربتنا من ما يسمى بالربيع العربي في العام الماضي، مما أخّر انعقاد حوار المنامة وألحق الأذى بالمجتمع في مملكتنا الحبيبة. في حالتنا، قسّم ذلك المجتمع، وحتى مع استعادة مستوى من الهدوء مازال هناك الكثير من الجراح للتعافي منها لدى جميع الأطراف.
ولابد من اقتناص هذه الفرصة لتقديم الشكر لمن أسهموا في إيصالنا لهذه المرحلة من الهدوء النسبي. في مقدمة هؤلاء، دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، فمن غير أفعالهم وخطابهم لكنا في وضع مختلف تماماً. انهم لم يضعوا شبابهم في وجه الخطر ولا أموالهم في المشاريع التنموية للإضرار بأهل البحرين، بل للتصدي لأي اعتداء خارجي يستغل، ما كان في حينها، وقتاً صعباً جداً ومبهماً وصعب القراءة. لن ننسى للمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة أبداً وقفتهما أبداً خلال تلك أوقاتنا الصعبة.
وأقدم شكري شخصياً للعديدين في الغرب ممن كانوا بمنتهى التعاون مع ما كنت أنشد أن أحققه عبر عقد الحوار بين مختلف الأطراف هنا في مملكة البحرين. لقد كان دعمكم لي قيماً وثميناً في الشهور الثمان عشرة الصعبة التي مررنا بها. أعبر وبشكل خاص عن شكري للدبلوماسيين والقيادة وحكومة جلالة الملكة إليزابيث الثانية، ملكة المملكة المتحدة، فلقد تقدموا بأشواط على الكثيرين فيما قدّموه بالتواصل مع جميع المعنيين وفتح الأبواب للجميع في وقت صعب جداً وظرف غير واضح. إن ما قدمتموه من دعم ومساندة في إصلاح السلك الأمني والقضائي وتواصلكم المباشر مع القيادة في مملكة البحرين وأعضاء المعارضة، أنقذ أرواحاً. سأكون ممتناً للأبد لكل ذلك. شكراً.
كما أود أن أقدم شكري لدول الشرق التي استقبلتنا بأيادٍ مفتوحة: حكومات سنغافورة، كوريا واليابان، أنتم تستحقون شكرنا واحترامنا. شكراً جزيلاً.
وانتقالاً من الدول، أود شكر أعضاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، اللجنة الدولية التي قامت بالتحقيق في المخالفات وواقع أحداث العام المنصرم، وهي خطوة غير مسبوقة من قبل أية حكومة في القيام بدعوة محامين وحقوقيين متخصصين في مجال حقوق الانسان إلى المملكة من أجل توثيق الحقائق كما هي. لقد رسم هذا العمل الدؤوب صورة واقعية عما حصل في العام الماضي، بل وأشدّد على أنه أحدث تغيراً جذرياً على الساحة السياسية في المملكة. لقد ساعد هذا الجهد في تهدئة الأوضاع، كما أوجد خطاباً ووثيقة موحدة فصلت ما قد حدث، فضلا عن أنها قطعت الطريق على أي محاولة للمبالغة والتضخيم في سرد الأحداث وصياغتها -إن أردنا- بطريقة قد تخدم بعض المصالح لذلك أود أن أشكر أعضاء اللجنة البحرينية المستقلة.
أود أن أشكر على الصعيد المحلي وزارة الداخلية التي اتجهت بإقدام قوي نحو الإصلاح عن طريق تدريب الشرطة وتحديث التكتيكات والأساليب المتبعة ميدانياً رغم الظروف الصعبة، ولاسيما وجود أكثر من 1700 رجل أمن مصاب، وبعضهم ممن فقدوا أرواحهم.
ومع ذلك فقد حافظوا على الانضباط الضروري لخلق المناخ اللازم لتوحيد وتقريب الناس، ولكن سيداتي سادتي، الأمن ليس هو الضامن الوحيد للاستقرار، من غير العدل لن يكون هناك حرية، ومن دون الحرية لا يمكن أن يكون هناك أمن حقيقي.
في اعتقادي أن الطريق قدماً لمملكة البحرين هو كالآتي: لقد أقدمت الحكومة على اتخاذ خطوات جادة وبارزة، لكن لايزال هناك الحاجة للمزيد من العمل، خاصة في مجال الاصلاح وتطوير القدرات في السلطة القضائية.
أؤمن وبلا شك بأنه لا غنى عن التطبيق الحقيقي لنظام قضائي عادل ومنصف وشامل كي يشعر الناس بحماية حقوقهم ومستقبلهم. يجب علينا عمل المزيد لتطوير تدريب وتطوير قدرة قضاتنا وعلينا عمل المزيد لتعديل قوانيننا التي لازالت في رأيي قادرة على أن تفضي إلى أحكام تتعارض والضمانات التي كفلها دستورنا، علينا عمل المزيد للحد من التطبيق الانتقائي للقانون. هذا أمر جوهري وهو ما سيبني الثقة في كل أرجاء المجتمع هنا في مملكة البحرين.
ولكن لا تقع المسؤولية على أولئك الذين هم في موقع السلطة. وحسب، فكذلك يجب على الشخصيات السياسية التي تختلف مع الهيكل الدستوري أو الأداء الحكومي أن تدين العنف. الصمت ليس خياراً. أدعو جميع القيادات العليا لأولئك الذين يختلفون، بما في ذلك آيات الله، لإدانة العنف في الشوارع بوضوح تام، بل ومنعه أيضاً.
أيها السيدات والسادة، إطلاق العنان لقوة الشعب يعني أننا يجب أن نحترم آراء الناس، فهناك أغلبية صامتة هنا في مملكة البحرين يشعرون بأن صوتهم غير مسموع.
هم الذين يذهبون للنوم في الليل بدون وجود حراسة على أبوابهم، وهم الذين يعيشون في مجتمعات مختلطة، التي تمثل مختلف الطوائف والإثنيات والمعتقدات السياسية. انهم هم الذين يجب عليهم أن يعيشوا بشكل يومي مع الخوف من اندلاع نزاع طائفي قد يضر بهم، وبمصالحهم ومستقبلهم أو مستقبل أبنائهم في أي وقت ولا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك.
نحن ندعو إلى قيادة مسؤولة، وذلك لأن الغالبية العظمى من شعب البحرين ترغب في حل تضع به أحداث السنة الفائتة في الماضي وأعتقد أن الحوار هو السبيل الوحيد للمضي قدماً.
جيوسياسياً، وديموغرافياً وتاريخياً، يجب التوفيق بين وجهات النظر السياسية المختلفة الممثلة في الجماعات السياسية المختلفة، ولكن ذلك لن يتم إلا من خلال جلوسهم معاً والاتفاق على إطار عمل يكون فيه سقف المقبول، هو الحد لما هو غير مقبول لدى الأطراف الأخرى، مع وضع التوصل إلى اتفاق كهدف أسمى.
لذلك، لدينا عملنا الذي يجب أن نقوم به، ولكن على المجتمع الدولي أن يقوم بدوره كذلك، أمنيات السلام لا تحقق شيئاً ولكن العمل من أجله هو ما يحققه.
أدعو أصدقائنا في الغرب للمشاركة مثل ما تفعل المملكة المتحدة في إشراك جميع أصحاب الشأن، وتدريب كافة المجموعات، والعمل معنا لجعل بيئتنا وقدراتنا أكبر وأقوى، ووقف النقد الحصري على عمل الحكومة وحدها، فهناك مسؤولية أخلاقية على جميع الأطراف لتوحيد الجسد السياسي البحرينية.
يجب علينا أن نشفي هذه الجروح. يجب علينا وقف العنف. يجب أن نزيل الخوف ويجب علينا وقف التعصب. إنني أدعوكم لإدانة العنف صراحةً إن وقع. سوف نستمر في القيام بدورنا، ولكن سوف يساعدنا أكثر إن قمتم بدوركم كذلك.
أيها السيدات والسادة، أنا لست أميراً للسنة فقط أو للشيعة فقط في البحرين، وإنما للبحرينيين جميعاً في هذه المملكة، والكل له قيمته الكبيرة لدي شخصياً، وآمل أن نرى قريباً اجتماعاً بين جميع الأطراف. إنني أدعو لعقد اجتماع بين الجميع وأعتقد أنه فقط من خلال الاتصال وجهاً لوجه سوف يتم تحقيق تقدم حقيقي.
وليس من الضروري أن يتم التناقش في موضوع متقدم الأهمية بدايةً، ولكن يجب أن يبدأ عقد الاجتماعات لمنع الانزلاق في هاوية من شأنها أن تهدد جميع مصالحنا الوطنية. ونحن هنا في مملكة البحرين، وإن كانت صغيرة في الحجم إلا أنها كبيرة في رمزيتها وما نمثله، وما حققناه. لقد كان جلالة ملك البحرين رائداً في عملية الإصلاح في الشرق الأوسط. ولقد بدأنا قبل الحادي عشر من سبتمبر، ونستمر في الالتزام بالمضي قدماً للمستقبل. لذلك، كل ما يمكنني قوله هو أنه قد علمنا التاريخ بأن الطريق إلى التقدم ليس دائماً بشكل مستقيم تصاعديا، فهناك الكثير من العقبات والتحديات ولكن بالتزامنا بالكرامة الإنسانية والأمن الإنساني والعدالة قبل كل شيء سوف ننتصر.
ولكن إن وقعنا في خانة الطائفية الخطرة، والانتماءات القومية الخاطئة، والانعزالية فإن التاريخ يعلمنا بأن الفشل لن يكون بعيداً. لذلك، فإنني أحثكم بأن تتمنوا لنا التوفيق في التعامل مع القضايا التي تعنيكم بشكل أكبر والتي جئتم هنا لمناقشتها. وشكراً جزيلاً.
صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد أل خليفة
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3746 - الأحد 09 ديسمبر 2012م الموافق 25 محرم 1434هـ
خدمات المحتوى
|
تقييم
|
|