مسئولية من؟ الدولة، مؤسسات المجتمع أم أفراد.
لو بحثنا يمينا ويسارا، شمالا أو جنوبا، شرقا وغربا، في الأرض أو في السماء. لوجدنا الجواب، لكل تلك الأسئلة وفي شتى البحوث والدساتير والقوانين، كامنا في الحقيقة الأزلية التي هي أساس ومبتغى كل إنسان من البشر، وكل نفس من الحيوان، وكل جماد من الطبيعة. وهي الحقيقة التي متى توافرت، توافر معها الأمن والسلم والصحة والنماء ولتوازن الطبيعي بين الإنسان والحيوان والبيئة الصالحة للحياة السعيدة.
العدل، متى توافر إنتهت كل مآسي البشر والشجر والحجر، وما عاد للظلم مكان لانتهى كذلك كل جور وإجرام. ومتى غاب العدل غابت معه السعادة وكل معنى للسلام سواء للإنسان أو الحيوان أو الطبيعة، وما عاد ينفع في غياب العدل من ضوابط مهما سبق من قوانيين وعقوبات لأن الظلم ينطق كل أخرس والعدل يخرس كل متطاول. حتى الطبيعة متى أحست بالظلم تثور على البشر بالأمواج والأمطار والأعاصير والبراكين لتصحح الوضع.
إن المولى عز وجل خلق كل إنسان بتكوينات نفسية وفكرية وجسدية مختلفة، إلا أن العدل بين سائر الخلق منشود ومنصوص عليه في كل الأديان، لما يحققه من أخاء وسعادة، وينتهي كل إحساس بالقهر وما يترتب عليه من شجار وسرقة أو قتل. وتلك هي أعمال سيئة من الإفرازات المباشرة لعدم تحقيق العدل الاجتماعي وتقاسم الموارد أو تزكيتها لتطييب نفوس الآخرين بها.
العدل هو أساس السعادة وعنوانها، حتى بين الفرد ونفسه، «وفي أنفسكم أفلا تبصرون» (الذاريات:21) ،فالإنسان الطبيعي إن لم يعدل في أكله وشرابه أو حركاته ثارت عليه مكونات جسمه. فإن زاد في الأكل أصابه مغص، وإن قلل منه أصابه الجوع. وكذلك بالنسبة إلى شرابه.
أما الحركة فهي محكومة بعضلات جسمه فإن زاد منها تصدت له بالتقلصات والألم وإن قلل ترهل جسمه وأنتفخ حتى يستجيب لنواميس العدل في أكله وشربه وحركته. حقائق لا يجهلها البشر كما أنه لا يجهل تاريخ العصور السابقة وما أحدثته عصابات السرقة والقتل ودول الاستعمار من مآس حينما حاولت السير ضد نواميس العدل، فكلها انتهى بها المطاف إلى أبشع حال والتاريخ الأسود، ثم بادت. أما من أتخذ من العدل، وهي إرادة الله، منهجا، فمازال تاريخهم وذكراهم حيا في قلوب البشر منذ آلاف السنين إلى يومنا، هذا سواء كانوا من الأنبياء والمرسلين والآولياء الصالحين، أم من الديانات الدنيوية الأخرى ممن حققوا عدالة الله في أرضه.
علي محمد جبر المسلم
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 1620 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ