في الوقت الذي كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يمارس التدخل بشكل فج في شؤون دول المنطقة ويعيش أوهام الخلافة، فاجأه القدر بفضيحة مدوية لا مثيل لها، وهي فضيحة الفساد الذي نخر في جسد حكومته حتى النخاع.
لم يكن أردوغان يتخيل أن يكون في قلب هذه الفضيحة وهو الرجل الذي قدم نفسه للمسلمين في السنوات الماضية كرجل شجاع يهاجم إسرائيل وينسحب من مؤتمر دافوس لأنه لم يأخذ نفس الفرصة التي منحتها إدارة المؤتمر لشمعون بيريز، فكيف ينتقل من حالة الزهو التي كان يشعر بها نتيجة إعجاب الشعوب العربية والإسلامية بشخصه، إلى حالة الانكسار والخجل لكونه يرأس حكومة من الفاسدين واللصوص؟
مئات المليارات من الدولارات نهبتها حكومة أردوغان من الشعب التركي، وهو الذي طالما أعطى دروسا لغيره من الحكومات ومارس التدخل في الشأن المصري بعد الصدمة الكبيرة التي تلقاها بعد ان خسر الإخوان المسلمون السلطة في مصر.
فأي نموذج هذا الذي يقدمه لنا أردوغان ويريدنا كدول إسلامية أن نقتدي به، وهو الذي يدافع عن الفساد ويقف في وجه القضاء الذي يحاول حماية حقوق الشعب التركي ويقوم بتحريض الشرطة على الوقوف في وجه القضاء خدمة لمصلحته ومصلحة حكومته الفاسدة.
أردوغان يصف تصدي القضاء لقضية فساد بمئات المليارات بأنها مؤامرة على استقرار تركيا ويقول إن “هذه القضية كانت عبارة عن محاولة انقلاب ضد القضاء في تركيا، من خلال تخريب العمل في التسلسل الهرمي التنظيمي بالبلاد، إنها مؤامرة من اجل الاستيلاء على السيادة من الشعب وتحويلها إلى القضاء”.
فمن الذي يتولى التحقيق في قضايا الفساد وإثباتها أو نفيها سوى القضاء؟ وإذا كان قيام القضاء بهذه المهمة هو استيلاء على السيادة من الشعب، فما هي الطريقة وما هي الجهة التي تختص بذلك داخل الحكومة التركية؟
نحن لا يعنينا شيء في قضية فساد داخلي في تركيا، فهي لا تضرنا في شيء ولا نقصد أن نتدخل فيما لا يعنينا، ولكننا أردنا أن نبين أن حكومة أردوغان الذي يدافع عن الإخوان المسلمين وعن الارهاب الذي يمارسونه، هي نفسها نموذج سيئ ودعاية مضادة للإخوان المسلمين ولكل الأحزاب الإسلامية.
لابد أن يتخلى أردوغان عن غروره وان يواجه شعبه ويعترف بفساد حكومته ويستقيل قبل أن يجبره شعبه على ذلك، لأن اللجوء إلى نظرية المؤامرة في الموقف الصعب الذي يمر به هو وحكومته الآن لن يقنع الشعب التركي ويجعله يصبر عليه.