فور أن تلقيت نبأ وفاته، استشعرت دفء يده وهي تصافحني بعد الصلاة قبل ثلاثة أيام من سماعي لهذا الخبر، وتذكرت كلماته ودعواته الجميلة التي أهداها لي بعد صلاة دعوت فيها لإخواننا في سوريا.
نعم.. فقدناك أيها الأخ العزيز «بومصعب» عيسى البوعركي.. فقدك إخوانك في مسجد الإسراء بعراد.. فقدك محبوك من أهل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.. وبكاك من يقدّر قيمة الدعوة بالقدوة.. لم تكن واعظاً أو محدّثاً أو خطيباً.. ولكنك كنت مؤثراً حتى وأنت صامت.. فابتسامتك التي كنت توزعها على الناس كانت نعم الصدقة في زمن شحت فيه مثل هذه الصدقات «وتبسمك في وجه أخيك صدقة».
إن من الناس من يموت فلا يبكي عليه أحد، كما قال الله في شأن قوم (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)، وإن من الناس من يبكيه كل أحد، ويحزن على فقده وفراقه كل الناس.. وإنك –يا أبا مصعب- ممن ترك فراغاً بوفاته.. فالنموذج الذي كنت تمثله، هو بحق النموذج الذي تحتاج إليه مجتمعاتنا الإسلامية اليوم.. ابتسامة صادقة.. كلام قليل.. ذكر كثير.. حب للمسجد.. تربية للأبناء صالحة.. نظرة لجميع المسلمين عادلة مجرّدة.. قلب أبيض لا يحمل الحقد والغل والغش.. نعم هذا هو النموذج الذي سيذكرك الجميع به، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من شهدتم له بالخير فقد وجبت له الجنة».. كيف لا؟! وقد كان آخر العهد لك بالدنيا وبالناس صلاة الفجر جماعة في بيت الله.. ورحلت تاركاً ولداً لا يعرفه الناس إلا بالقرآن.. وفارقت الدنيا ولم تفارق البسمة محياك.. وشهدت جنازتك جمعاً غفيراً من الناس لم يأت بهم إلا أنهم أحبوك في الله.. وسيظلون يذكرون جميل سجاياك.. رحمك الله يا أبا مصعب رحمة واسعة.. وأقر عينك بسكنى جنة عرضها السموات والأرض (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)، وألهمنا من بعدك السداد والرشاد.