استقالة عبدالباري عطوان من رئاسة تحرير جريدة القدس العربي من وجهة نظري هي حادث اعتيادي ونهاية عادية لرحلة كاتب امتهن الصحافة طوال حياته، وهي محطة حتما يصل إليها قطار حياة أي إنسان،فليس هناك خلود لأي إنسان في هذه الحياة.
ومن حق عبدالباري عطوان ككاتب محترف أن يودع قراءه بكلمة مؤثرة بعد هذا العمر الطويل في ميدان صاحبة الجلالة.
ولكني أرى أن وداع عطوان لقرائه لم يكن وداعا عاديا، ولكنه أراد أن يجعل من رحيله عن الجريدة التي عمل بها لحظة تاريخية كبيرة وأظهر نفسه كضحية للأنظمة القمعية حسب وصفه ولأجهزة المخابرات العربية والاسرائيلية.
صحيح أنه كغيره، كثير من الكتاب قد تعرض للتشويه واتهم كثيرا بأنه يتلقى الرشاوى من الكثير من جهات معينة لكي يوجه انتقادته اللاذعة لجهات وأنظمة ودول أخرى، لدرجة أن البعض أطلق عليه اسم عبدالباري دولار، ولكن هل كان رحيله في هذه اللحظة نتيجة مباشرة للقمع والتنكيل الذي مورس ضده، أم أن هذا القمع كان شيئا قديما لا علاقة له بأمر الاستقالة؟.
عبدالباري عطوان جعل هذه النقطة مبهمة خلال رسالته التي وجهها للقراء ولم يبن أنه أجبر على ترك الجريدة التي كان يعمل بها، خاصة أنه رحل بعد تغيير كبير وقع في العالم العربي وجعل من حرية الصحافة أمرا لا جدال فيه.
عبدالباري عطوان تعرض للمضايقات في حياته لأنه وصل في كتاباته عن العرب وعن أهل الخليج إلى حد البذاءة في كثير من الأحيان، رغم أن أهل الخليج كانوا دوما أصحاب عطاء للقضية الفلسطينية التي كانت الهم الأول لعطوان في حياته.
وحتى يوم رحيله أبى عطوان أن يرحل دون إساءة لدول مثل السعودية والبحرين والكويت، ويقول انه رغم حجب جريدته في هذه الدول إلا أنه حقق النجاح الباهر لجريدته ونقلها من جريدة صغيرة إلى جريدة يعرفها العالم كله.
وسواء كان رحيل عبدالباري عطوان بسبب أجهزة المخابرات أو بسبب أجهزة الدفاع المدني أو بسبب رفض الدولة التي اشترت الجريدة بقاءه فيها فنحن في هذه المناسبة نقول لعطوان: لقد أديت واجبك ودافعت عن القضية الفلسطينية وأنه كان من الطبيعي جدا أن تتعرض لما تعرضت له من مضايقات، وهناك في عالم الصحافة غيرك كثيرون قد تعرضوا لأكثر بكثير مما تعرضت له، وأن معاناة نساء فلسطين وأطفالها ورجالها المعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني هي معاناة تفوق بكثير معاناة أي رجل يعيش في لندن يأكل ألوان الطعام ويشرب ويستريح ويتريض ويكتب ما يشاء ويسب من يشاء!.