دائماً ما يتم الحديث في المناسبات الحزينة عن مناقب من نفقدهم، ولا أعتقد أن مثل هذه الكلمات التي قد تكون تقليدية في معظم الأوقات كافية لفهم ظاهرة الحزن، بل هي كلمات لا تتجاوز القدرة عن التعبير حول المشاعر في ذات اللحظة، وليست كلمات قادرة على فهم ما بعد اللحظة. ولي العهد السعودي الراحل صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود يعد ظاهرة خليجية لاقتران اسمه في معظم الأوقات بالشدة والحسم خصوصاً في مسائل الأمن، ولذلك لا يمكن الحديث عنه -رحمه الله تعالى- دون الحديث عن دوره الأمني، ونظرته الاستراتيجية الأمنية. هذه النظرة والدور لا تعتمدان على الإمكانيات الضخمة والقدرات الفائقة التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية السعودية بفضل اهتمام الأمير الراحل، وإنما تعتمدان على كيفية إحداث الفوبيا في مواجهة الخصوم لمواجهة التحديات. لذلك يعرف معظم الخليجيين اليوم، عندما يتم الحديث عن الأمير نايف ودوره في مسألة أمنية معينة، أنها باتت مسألة محسومة ولا يمكن الجدل كثيراً بشأنها باعتبارها منتهية على يد الأمير الراحل. وهي خصلة أعتقد أن الفكر الأمني الخليجي سيفتقدها كثيراً خلال الفترة المقبلة رغم قدرته على استمرار الاستفادة من هذه الإستراتيجية التي انتهجها الأمير الراحل. بعد آخر يمثله الأمير الراحل في فكره الأمني الاستراتيجي، يتعلق بعدم جدوى الشدة والحسم والعقاب الشديد الدائم في مختلف المعالجات الأمنية للتحديات الداخلية، بل هناك دائماً بدائل لا بد من الانتباه لها والاستفادة منها. ولذلك لم ينتظر الأمير الراحل أن يرى الانتقادات توجه للتعامل الأمني الشديد من الإرهابيين الذين عانت منهم الشقيقة السعودية قبل سنوات. بل كان الأمير الراحل من أشد المدافعين عن حقوق من راحوا ضحية لتجنيد الجماعات الإرهابية وممارسة الإرهاب، من خلال تأسيس مركز يعني بإعادتهم إلى جادة الصواب، ويرمي إلى إبعادهم عن بؤر الإرهاب والتطرف الفكري، وإعادة تأهيلهم، وهو في اعتقادي درس كبير ومهم لم تستفد منه معظم الدول الخليجية والعربية التي عانت من الإرهاب والعنف السياسي. الأمير الراحل يمثل حالة نادرة في الفكر الأمني الاستراتيجي الخليجي والعربي، ولذلك من فقدناه ليس الأمير الراحل نفسه، بل الفكر الذي قدمه لنا. ومع ذلك سيبقى الأمير حاضراً باستراتيجياته وفكره الذي قدمه للمنطقة، وهو فكر بالتأكيد يستحق الدراسة والتطبيق.